لا مشاحة في تماهي مفهوم الخلافة و المشيخة من الناحية النظرية لحد اصبحا فيه يختلطان على كثير من الناس اذ كل منهما يؤدي دورا وظيفيا فى مجال قمة هرمية معينة الا انه مع ذلك لا بد من التفريق بين المفهومين حتى يأخذ كل منهما حظه من فهم العامة ..
فالخلافة الروحية باختصار شديد نيابة عن الرسول صلي الله عليه و سلم فى تبليغ الرسالة و هداية المسلمين و توصيلهم بالله على طريقته و هديه و اخلاقه صلي الله عليه و سلم فلذلك لا بد لها من العلم بما جاء به من عند الله و التزكية العلمية و الآخلاقية لأداء ذلك الدور من طرف شيخ عارف مربي ..فما نسمعه من ان الشيخ الفلاني صدر مريده فلانا و فلان لوي العمامة لفلان كل ذلك يعنى انه زكي خلقه و علمه و فهمه ليتصدر لهداية المسلمين و تدبير شؤونهم على النهج الذى تربى عليه و لذلك غالبا ما يستعمله الشيخ و يرسله الى ارض بعيدة لا يصلها نفوذه و هديه .. و هكذا كانت طريقة مشاييخ الفاضلية جلا اقتداء بشيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين عنه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ابتداء بشيخنا و قدوتنا الشيخ محمد فاضل بن محمد و شيخنا الشيخ ملعينين و شيخنا الشيخ سعد دبوه ..الخ
فكان مشايخنا جميعا قدوة اجتمعت عليهم الناس و ااتلفت بهم ايما حلوا هدي الله بهم جماعات وفرادي و اصلح بهم أمورهم الدنيوية فكانت سبيلا لصلاح أمورهم الاخروية.. و مادام منطلق هذه الخلافة الروحية و عدتها و عمدتها التزكية الاخلاقية فمن هنالك انتفت عنها حظوظ النفس و التنافس فاصبحت بذلك تكليفا و تشريفا تكليفا لصعوبة المهمة علي غير الطمطم المحيط و تشريفا لكونها تصدر في مسار الهدي المحمدي ..
اما الرئاسة أو المشيخة القبلية فعمدتها مزيج من الغلبة و الأخضاع بالقوة و الحكمة في تدبر امور الحرب و القيادة العسكرية الخ
و إذا كانت الحال هذه فالخلافة الروحية اشمل و أعم من الرئاسة و المشيخة …
و اذا ما نزلنا هذا التحليل علي واقعنا المعيش اليوم و الذي لم تكتمل فيه بعد معالم رعاية الدولة الوطنية للفرد بحيث تحل محل القبيلة بشكل نهائى فإننا نكون أمام ثلاث احتمالات لا رابع لهما لجهة هذه الجدلية :
الاحتمال الأول وجود الشيخ المزكي المتمكن العارف و في هذه الحالة لن يجد الخلاف طريقه لمجتمعه فهو قطب الرحي الذى يدور كل شيئ حوله محور جاذب بشكل يسير الناس خلفه بشكل تلقائي و لا أحد يختطف شيئا من أمام أحد و أن الفضل بيد الله يوتيه من يشاء…
الاحتمال الثاني غياب الشيخ المزكي و عندها تستحيل معه الخلافة الي رئاسة عادية عدتها المال و القوة و تبتعد في هذا المنحي عن المسلك الروحي الاسمى
الاحتمال الثالث وجود شيخ مزكي تشعبت عليه مسالك و مشارب و تعقيدات الحياة و لم يمتلك من القوة و الإحاطة و الشمولية ما يدبر به الامور بشكل أمثل عندها لابد أن تكون القيادة الهرمية مزيجا من السياسي و الروحي و الحكمة و الرأي تتحسن فيه الخيارات كلما توسعت قاعدته البيانية في اطار تشاركي تشاوري يراعي خصوصيات و احتياجات المجتمع.
و بناء عليه فاننا فى الحضرات الفاضلية نحتاج في وقتنا الراهن لدرجة قصوي من الموضوعية و التعقل و ان نلاحظ كل تلك الجوانب المذكورة أنفا حتى نتمكن من المحافظة على المكاسب الدعوية العظمى التى تحققت على أيدي مشايخنا السابقين رحمهم الله دون أن نغفل النظر عن احتياجاتنا الحاضرة التى يمليها واقع مجتمع تشعبت متفيراته و تعقدت حتى أصبحت تستعصى علي اشد النماذج الرياضية تماسكا فما بالك بالتدبير البشري العادي خصوصا اذا كان ذلك يقضى علي الخلاف الموذن بالفشل و ذهاب الريح…رحم الله السلف وبارك في الخلف