رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه :- المجاهد الجيه ولد الشيخ محمد فاضل
شذرات من يوميات المجاهد الجيه الشيخ محمد فاضل في ليلة من ليالي خريف عام 1871 بواد غير ذي زرع من منطقة آدرار بدأت علامات المخاض تظهر على أم الولي المجاهد الشريف السيدة صفية منت محمد عبد الله ولد أفلواط ولد مولود ولد بارك الله لتنتهي بولادة يسيرة لم يصاحبها طلق و لا ألم فيتباشر أهل الحضرة و الدوحة النبوية الشريفة بميلاد الولد الذكر الثاني للقطب الرباني العارف بالله الشيخ محمد فاضل ولد محمدو كما تعارفت عليه الناس من سنة ,اختار الشيخ لابنه المولود من الأسماء اسم الجد المؤسس الجيه ليحمل في ما بعد اسمه مقرونا باسم أبيه الجيه ولد الشيخ محمد فاضل ولد محمد ترعرع المولود الجديد داخل دائرة الضوء نظرا للإهتمام المبالغ فيه من طرف الشيخ الوالد الذي نهل على يده من المعارف و تذوق القرآن و تدبره و بعد بلوغه العاشرة من العمر أظهر تميزه و إستقلال شخصيته المتمثل في رعاية بعض مصالح والده و اهتمامه بشؤون السلطة الدينية و تدبير شؤون الناس و في عام الحزن و في يوم أغبر ضعفت فيه أشعة الشمس أصيب الجيه كما غيره برحيل الوالد و الشيخ و المعلم و السند لقد انتقل الي الرفيق الاعلي الشيخ محمد فاضل ولد محمد ولد أعبيدي.بعد انتهاء فترة التعازي من القبائل و الوفود القادمة من كل أصقاع أفريقيا و في غياب الإبن البكر الشيخ محمد تقي الله أجمع قادة الرأي و أهل الحل من قبيلة أهل الشيخ محمد فاضل و على رأسه محمد غلام الملقب النان و محمد عبد الرحمان الملقب ابياه و هما أبناء إخوة الشيخ محمد فاضل و أهل خاصته فأختاروا الجيه مرجعية روحية و خلفا لحمل الأمانة بعد رحيل والده فعم الفرح و البهجة و صدعت الحناجر مغنية تمجيدا للحدث باشوار من مثل :-يا ون هاه و ي ونا الجيه أخليفت بوه انو نظمت القصائد الفصيحة و الشعبية فقال ولد اعمر ول اباري من طلعة طويلة يقصر المقال عن ذكرها:بيدك يوكاف امرافيع الغلظ ؤ سكام امناجيعالشكر ازين البيه اتشيع تسمع وذنك حك الفكاكي قطب أزمان المطيع لله العظيم المسواكعادم من محدك رضيع ما فت أبلغت اظهر مزاك…و بعد توليه مسؤولية القيادة اهتم بمواصلة لم شمل قبيلة أهل الشيخ محمد فاضل و مواجهة كل التفاصيل
و التحديات التي دأب الشيخ على تسيير الأمور بها بجده و صرامته التي يعرف القاصي و الداني
و أستمر على هذه الحال زهاء أربعة أعوام الى أن وصل شقيقه الأكبر الشيخ محمد تقي الله قادما من ارض القبلة … فخلع عليه رداء الأمانة و وضع في رقبته البيعة التي بويع بها في غيابه رغم اعتراض المعترضين و ذلك بوصفه الأكبر و الأحق بها و لرغبة الجية في التفرغ للجهادو في يوم كان فيه الطقس صافيا و السماء زرقاء تلوح في وسطها أشعة الشمس الذهبيه و قد اشتغل الجميع بمختلف أعمارهم بالمرح و استقبال يوم جميل أرسل الجيه يأمر أخاه الشيخ محمد المامون بالإلتحاق به خارج مضارب الخيام و في جلسة سرية تم بحث مستجدات الوضع و طرق التعامل معها و كيفية ذلك لينبثق عن هذا الاجتماع الهام الإتفاق على ضرورة الجهاد و تقاسم الأدوار و حدوده و أرضه مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التماسك و للإلتفاف العلني خلف المواقف السياسية للشيخ و الأخ الأكبر و مواقف صهره و إبن عمهم شيخنا الشيخ سعد أبيه ولد الشيخ محمد فاضل ولد مامين الذي يرى أن التعايش مع النصارى مع احترامهم لعادات الناس و دينهم أولى من محاربتهم و من المواجهة غير المتكافئة معهمبدأت مناطق البلاد تشهد تحولات متسارعة بسبب الوضع الاستعماري الجديد فانتقل الشيخ محمد المامون من رحلة الحج الى بلاد الريف و بدأ عمله الجهادي العلني و بدأ الجيه تنسيقه مع المجاهدين في تيرس و عموم بلاد الساحل سرا حتى لا تتأثر التزامات أخيه الشيخ محمد تقي الله متخذا من ارض السودان قاعدة أمامية متقدمة لعملياته و بعد ان شك الفرنسيون في الدواعي الحقيقيه التي دعته للزواج و التجارة سجنوه في غينيا كوناكري و بعد قضاء فترة سجنه اصبح دوره الجهادي مكشوفا و تعاظمت الشكوك من حوله فقرر الرجوع لأرضه و أهله تاركا وراءه ولده البكر محمد ابو الانوار من زوجته الغينيه .. و اتخذ من شنقيط – حيث توجد الكتيبة الفرنسية – سكنا له و تزوج من السيدة خديجة بنت عبابة الأخت الشقيقة لأمتها بنت عبابه التي كانت زوجة للقائد الفرنسي ….ظل الجيه ولد الشيخ محمد فاضل وفيا لرحلتي الشتاء و الصيف ما بين الشمال و الجنوب و دول الجوار و السير قدما في ما اتفق عليه مع أخيه الشيخ محمد المامون في سرية تامة بما يفيد العمل الجهادي و التخطيط له و البحث عن السلاح و المؤونة و المعلومة للمجاهدينلقد واجه الجيه ولد الشيخ محمد فاضل في كل مرحلة من مراحل جهاده الوشاة بعد و أثناء كل رحلة يقوم بها فأبلغوا القوات الفرنسية عن النشاط الجهادي الذي يقوم به في أرض الساحل و الشمال الموريتاني و لم يستطع المستعمر التعامل بجدية مع الكائدين بسبب مواقف الجيه المعلنة و مكانته الاجتماعية الىقدم ابنه الأكبر محمد فاضل لأمه الرقيبية من مخيمات الشمال الى أدرار مما أثار غيرة زوجته خديجة منت عبابه فعملت بمساعدة أختها صاحبة النفوذ الواسع أمتها منت عبابه على تأكيد الوشاية للكتيبة الفرنسية فاتخذوا قرارا بابعاده من آدرار و وضعه تحت الاقامة الجبرية بالمذرذرة حتى ينقطع التواصل و الدعم الذي ما فتئ يقدمه المجاهد الجيه للحركة الجهاديةظل الجيه بالمذرذره الى أن فاجأ جلساءه يوما بصيحة تلبية نداء من مريد شيخنا الشيخ محمد فاضل السيد عابدين ولد اعمر الظايه فقد رأي عابين شيخنا في المنام ثلاث مرات يطلب منه ان ينادي للجيه و عند الرأيا الأخير وقف علي كثيب بتيارت حيث محل سكنه و نادي : “يا الجيه قال لك الشيخ محمد فاضل ان تأتي” سمع الجيه النداء في مجلسه بالمذرذر فأجاب بعبارة ” هو هو ” أي نعم نعم و لدي دهشة الحضور اخبرهم بالامر و لم يبت ليلته تلك بالمذرذرة ليصل الى واد تيارت قرب أطار في وقت قياسي إعتبر كرامة لولي هناك التقى بعابدين ولد أعمر الظايه و تبادلا اطراف حديث حول الرؤيا ..و بعد مجلس قصير انتقل المجاهد الجيه الى تزكرز حيث سكن أخيه الآكبر الشيخ محمد تقي الله و لم تكن هناك سوي زوجته و ابنة مريد ابيه السيده الفاضله الباشا منت سيد المين .. أخذ قسطا من الراحة و طلب منها كتم أمره ..بعدها وجه وجهه شطر الزيارة للوقوف على مزار أبيه و كان يوصي كل من يلقاهم بكتمان سر وصوله بسبب التحذير الذي نشره المستعمر حول هروبه من الاقامة الجبريةبعد زيارة والده الشيخ محمد فاضل انتقل الى شنقيط حيث بيته و زوجته ليجد أن القوات الفرنسية أصدرت تعميما في كل مستعمراتها بضرورة اليقظة و الاستنفار الدائم بعد إختفاءه عن الانظار من منفاه بالمذرذرة لكن التدخل الثاني للشيخ سيداتي ولد الشيخ سعدبوه و احمد سالم أمير اترارزة و إقناعهم الإدارة الفرنسية أنه لا ينوي مواجهة و لا تواصلا مع المجاهدين في الساحل و تواجده في شنقيط بينهم و تحت أعينهم خير دليل على ذلك جعل الفرنسيين يتركونه تحت المراقبة الإستخباراتية دون اعتقاله .. طلق زوجته بعد وصوله بقليل مما جعله بعيدا عن اعين الكثير من المتربصين به ليتمكن لاحقا من إعادة بناء الخلايا الجهادية و إستئناف نشاطه الى أن سقط جريحا بعد اصابته بطلقة على مستوى الساق لم تمهله لتدبر أمره في موقعة قرب تيشيت فوقع أسيرا بايدي المستعمر و أثناء نقل السجناء تم تكليف أحد المجندين الزنوج بمراقبته و التعامل معه بقسوة و شدةو في المسير الطويل و جرح المجاهد الجيه ينزف دما إختلف مع سجانه على ضرورة التطهر و الوضوء للصلاة و عملا بالتوصيات قام المجند السنغالي بطعنه بحربة بندقيته المسمومة ( بينت ) في الظهر ضربة أسقطت المجاهد على الأرض مغشيا عليه …. فتقدم القائد سيد أحمد ولد محمد ازناكي باعتراض شديد لدي قائد المفرزة الفرنسي علي هذا التصرف الشاذ تجاه سجين معقبا ان الطعنة الحاقدة ليس وراءه سوي العنصرية و الحقد .. فنقل القائد مهمة نقل و مرافقة السجين المجروح لولد محمد ازناكي…وصل الشيخ المجاهد سجنه في فوتوبا بغينيا الفرنسية
و هو مخضب بدماءه و مكث فيه ما شاء الله و صحته تسوء بسبب تأثره بضربة الغدر و الخيانة و تأكد سجانوه من موته المحتوم و خافوا أن يموت بين أيديهم فيتهمون بقتله و ما قد ينجر عن ذلك ضربات انتقامية من المجاهدين و غيرها فقاموا بارساله الي سنلوي و بعد مدة طلقوا سراحه ليغادر مباشرة مع زوجته التي تعرف عليها في السجن و كانت حاملا في شهرها التاسع وقت السفر و ستضع مولودها محمد المامون في رحلة العودة أثناء الطريقعاد المجاهد الجيه ولد الشيخ محمد فاضل و استقر بادرار و رزق بها ابناؤه و لا تزال فكرة الجهاد تراوده و لا يمنعه منها الا حمى شديدة رافقته طيلة حياته من بقايا تأثير الطعنة المسمومة الغادرة في جسمه..شد الشهيد الجيه رحله كان متوجها لاحضار ابن رزق به في النيجر و هو ثاني ابناءه سماه علي رفيق رحلته الروحية الشيخ محمد الآخضر السهيلي -(الصورة ادناه) و في رحلة اللاعودة أوصى المجاهد الشهيد إبنه البكر محمد فاضل بإخوته خيرا و قال له خذ بأيديهم لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذاو في يوم حزين يشبه بالعلامات رحيل والده و بمنطقة تاسكاست في تكانت أصابت الجسد الشريف الحمى اللعينة ليسلم المجاهد الجيه ولد الشيخ محمد فاضل روحه لبارئها سنة 1936 شهيدا و ليوارى الثرى هناك عن عمر ناهز الخمسة و الستين عاما حافلة بالعطاء و البذل و اسدل الستار على رحلة رجل لا كالرجال تنكر التاريخ لتضحياته و مواقفه فوداعا و رحمة لروح المجاهد الشهيد ناصر الحق و معيل اليتامى و نصير المحتاج